منبج مدينة تأسست على أيدي الحثيين الذين هاجموا بلاد شمال سورية ابتناها الحوثيون وسموها مبوغ لكن الملك الآشوري (سلما نصر) حاول تبديل اسمها إلى (ليتا آشور)
وسكن منبج أقوام كثير منهم: الآشوريون - الآراميون- اليونان والرومان والعرب المسلمون.
وشهدت مدينة منبج الكثير من المواقع والحوادث وورد ذكرها في كتب التاريخ فأوردها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان يشير لقدمها واسمها منبج وجاء هذا الاسم من تعبير ( ماء- بج) إلى أن تداولتها الألسن فأصبحت منبج وهي ذات الينابيع المطهرة والجداول الكثيرة المنفردة ولكثرة مياهها زمن الروم وقبلهم ووجود آلهة لهذه المياه في منبج كالآلهة ( أتار كاتيس ).
ويذكر بعضهم أن أول من بناها كسرى لما غلب على الشام وسماها منبه أي أنا أجود فعربت فقيل منبج ولها تسميات عدة كما جاء في كتاب أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء لمحمد راغب الطباخ الحلبي حيث قال : منبج وهي بلدة بالشام وسماها منبه فعربت فقيل منبج .
ولمنبج تسميات عدة فقبل أن تكون منبج الفارسية كانت مبوغ الحثية وكانت تسمى نامبيجي ونابيجو الآرامية حيث كانت عاصمة الآراميين المقدسة حيث أقاموا فيها هيكلا للاله ( حدد) وزجته ( عشتار ) وكان السوريون يسمونها مأجوج ولفظة منبج سريانية محرفة عن منبغ ومعناها المنبع سميت بهذا الاسم لوجود عين عظيمة تعرف باسم الرام وفي منبج أيضاً مقر صنم كبير اسمه ( تركيد) يعبده أهلها وأهل حلب قديما ولذلك سميت هيرابوليس أي المدينة المقدسة وفيها معبد هيرابوليس الذي يضاهي الفاتيكان كبير وفخم تتجه بوابته نحو الشمال مدخله ضيق ودهليز طويل نسبيا وكل شيء بداخله من الذهب البوابات السقف التماثيل ,حتى أنه عثر على كاهن من كهنوت المعبد في هيرابوليس .
وهو الآن محفوظ في متحف دمشق الوطني حديقة المتحف الرواق الخارجي لمدخل بناء المتحف ورقم سجله في المتحف -1687- ونظراً لقداسة هذا المعبد يتوافد عليه الناس من أصقاع شتى للتبرك والحج كما عثر على تمثال للآلهة السورية أتار غاتيس حيث اقتنته مديرية الآثار لمتحف حلب وهو الآن محفوظ في المتحف قسم الآثار الكلاسكية على يسار المدخل ورقم سجله 5532 ولمنبج سور قديم لرد جحافل المعتدين ورممه سلوقس وطول السور يلف المدينة من كل الجهات ويوجد السور اليوم على عمق يتراوح من 5-6 م تحت التراب وأورد ابن جبير ذكر هذا السور قائلاً يحف بها سور عميق ممتد حول المدينة .
وكذلك ورد السور عند ياقوت الحموي الذي قال وهي مدينة كبيرة عليها سور مبني بالحجارة محكم وقد تم ترميم السور في الحقبة الرومانية .
ولو عدنا للباب الرئيسي للمتحف الوطني بدمشق لوجدنا على بابه لوحة حجرية لخريطة سورية بلاد الشام موجودة في وسطها اسم العاصمة هيرابوليس وهي منبج لما لها من مكانة وأهمية تاريخية في العصور القديمة.
واهتم الرومان بمنبج وجلبوا معهم عبادة الاله الروماني الكبير جوبيتر الذي حل محل الاله حدد الذي يقع موقعه في الجهة الجنوبية من مدينة منبج على بعد 20 كم مرتفع عن الأرض (جبل) وفوق هذا الجبل مقبرة أثرية وأحجار متناثرة بحجم كبير وأقواس ويقال لهاذ المكان ( جبل أدد).
كما كانت منبج عاصمة للآراميين وبنوا فيها معبداً من المرمر لربة المياه ( آتار غاتيس) وسط بحيرة كبيرة وانتقل تأثير عبادتها عن طريق الحجاج اليونان إلى مختلف أرجاء اوروبا .
منبج في عهد الرومان :
في عام 64 قبل الميلاد استطاع القائد الروماني بومباي الاكبر أو ( بومبايوس ) انهاء الدولة السلوقية التي اسسها سلوقس الأول وهو من قواد الاسكندر المقدوني الذي توفي عام 323 ق.م في بابل واثناء استيلائه على سورية قسمها إلى ثلاثة أقسام :
1- انطاكية قاعدة أولى
2- افاميا قاعدة ثانية وهذه المدينة سميت على اسم زوجة سلوقس الاول التي تدعى افاميا وهي قلعة المضيق حالياً
3- منبج قاعدة ثالثة .
وفي عام 540 م عندما استولى كسرى على سورية وصل إلى الفرات ومنبج ثم صعد إلى أنطاكية ولما وقعت الحرب بين الروم البيزنطيين والفرس عام 572 استطاع الفرس أن يدمروا مدنا عديدة ومن جملة هذه المدن منبج وقنسرين ولما مر القيصر يوسطنيان بمنبج وهو في طريقه لمحاربة الفرس سمع اخبارا عن فتاة جميلة ذات سمعة عطرة ومن بيت له مركز اجتماعي مرموق والدها القسيس السرياني ذو المذهب الارثوذكسي فقرر يوسطنيان الزواج منها وتم هذا الزواج الملكي من هذه الفتاة انها ( تيودورا) المنجبية لبست التاج القيصري وأصبحت قيصرة لبيزنطة (اسلام بول ) أو ( استنبول ) او القسطنطينية التي فتحها محمد الفاتح 1453 ثم صارت منبج للرومان وغدت مركزاً حربيا هاما وفيها تلقى هرقل الصليب الذي كان الفرس سلبوه من القدس 610 م عند تغلبهم على الروم ثم اضطر الفرس إلى اعادته عندما هزموا عام 630 م.
منبج في الحقبة الاسلامية
كانت منبج بيد الروم عندما فتحها الفاتحون المسلمون وكان ذلك على يد الفاتح المسلم ابي عبيدة ابن الجراح الذي فتح مدينة حلب وانطاكية واوعز إلى قائد الجيش ( عياض بن غنم) مهمة فتح منبج ثم لحقه ابو عبيدة وصالح اهلها على مثل صلح انطاكية ثم وجه ابو عبيدة بن الجراح وهو في منبج خالد بن الوليد إلى ناحية مرعش وفتح حصنها.
وقد خرج من منبج عدة محدثين وشعراء منهم :
1- سنان بن أبي بكر الطائي
2- هشام بن خالد
3- ابو بكر محمد بن عيسى الطوسي
4- ابو القاسم عبد الله بن أحمد الطائي
5- ابو العباس عبد الله بن عبدالملك
ومن الشعراء"
1- يحيى بن سعيد المنبجي 1039-1159 م
2- ابو عبد الله البحتري
3- ابو فراس الحمداني 932-967 م
4- دوقله المنبجي
5- عمر ابو ريشة 1908 ولد في منبج
6- والشعراء حاليا عددهم كثير
ولقد زارها الخليفة هارون الرشيد الذي يحج سنة ويغزو سنة وسمى مدينة منبج العواصم لانها تعصم المسلمين من العدو الروماني وجعلها مدينة العواصم عاصمة العواصم وكان حاكمها آنذاك عبد الملك بن صالح بن عباس سنة 173 هجري الهاشمي وكان أجل قريش ولسان بني عباس وإن آثار قصره مازالت موجودة في بستان شمال منبج.
وكانت مدينة منبج لاهميتها مواقع كر وفر بين الفرس من جهة وبين كروليس الشرواني من جهة وبين المسلمين والفرنجة من جهة ثانية وفي عام 571 هجري تسلم صلاح الدين الايوبي مدينة منبج وتعاقبت عليها سلالته حتى استقر الملك فيها إلى الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي صاحب حلب .
هذا تاريخ مدينة منسية لها في التاريخ عبق ومكانة وقيمة وكم هو حري بالجهات المختصة ان تولي هذه المدينة اهتماما لما لها من عبق وأهمية ومكانة وقيمة تاريخية نظرا لتاريخها وأهميتها منذ العصور القديمة وذكرها في التاريخ يأتي بعد دمشق وحلب لما كان لها من أهمية في التاريخ والحديث عنها مديد ولكن هذه نبذة موجزة عن تاريخ هذه المدينة العريقة التي تحتاج لالتفاتة كريمة من الجهات المعنية وخصها بالعناية لتعود لألقها التاريخي الناصع ومكانتها العريقة خاصة أنها حالياً غدت حاضرة لمناطق ثلاث منبج وجرابلس وعين العرب وغدت أهل لأن تسمى محافظة تضم هذه المناطق الثلاث بمساحتها الواسعة وعدد سكانها الكبير .
وقد وصفها الرحالة العربي ابن جبير كما شاهدها حيث قال: ( منبج حرسها الله بلدة فسيحة الأرجاء صحيحة الهواء جوها صقيل ومحتلاها جميل ونسيمها أرج النشر عليل , نهارها يندى ظله وليلها سحر كله تحف بغربيها وشرقيها بساتين ملتفة الأشجار مختلفة الثمار) .
الجماهير
مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية