البحتري الصغير
الشعراء والأدباء , العظماء والمفكرين , لا يعملون ليعرف الناس قدر شأنهم , أو ليحيطوهم بهالات الشكر والتقدير والثناء , بل إنّ الوعي الخالص لفكرتهم , والتضحية العجيبة لهدفهم , والحبّ المتفاني لمبدئهم هو الذي يصوغ , ويصون منهج سيرة حياتهم ..
إنّ لمثل هذا الشاعر الملهم - محمد منلا غزيل - لا يمكن أن تتسع الصفحات لسيرته , والإطلاع على نواحي عبقرية وفن شعره ..
الوفاء لدعوة دينه سمت صفحات لسان شعره , وآيات قلمه سحر بيان بديع لفظه , وعذب ألحانه , وتدفق عواطفه , وشفافية ورقة روحه ..
باع نفسه لله , ورضي بالقليل , وعاش بالكفاف , وأبغض التفاخر والتباهي بين خلانه , ورأى أن الدنيا زيف وباطل , ومتاع قليل , وهدفه كان قول الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وصحبه وسلم :
(( لو أن لابن آدم وادياً من ذهب , أحبّ أن يكون له وديان , ولن يملأ فاه إلّا التراب ))..
وهاهو يتحدث لنا بلسان قوله عن صاحب هذا الفكر المؤمن الزاهد فيقول :
( سحقا لك أيتها النزوات الرعن , وبعداً لك يا سعار العاطفة الجموح .. إنّك أبداً تضجّين صاخبة , جيّاشة , وإنّك دائماً تثورين هادرة , عارمة .. إليك عني يا نزوات الرعونة , ويا سعار العاطفة الجموح .. فلقد ودّعت الأمس , ودفنت الماضي في قبر بعيد .. عميق .. لا يسبر غوره ..
وإنّني أيّتها العاصفة , أيّتها العاطفة , لصامد – بإذن الله – أمام صفعاتك الحلوة المرة : صمود الحقيقة في وجه الوهم , والحقّ في وجه الباطل , والفضيلة في وجه الرذيلة , صمود الجبروت النبيل في وجه الطاغوت , صمود العقل الحرّ أمام طاغوت الشهوة , واللبّ المستنير أمام إغراء الخرافة . والفكر الوقّاد أمام ظلمات الضلالة...
فلقد انتصرت أخيراً قوّة الحقّ وقوّة العقل المؤمن , ولم أخسر شيئاً حين ربحت العقل .. ربحت العقل فربحت معه الصحوة بعد الغفلة , وربحت معه الهدي بعد الزيغ . ..وربحت معه التوبة بعد المعصية .. والإسلام بعد الجاهلية ))...
إنه الشاعر المبدع الملهم الذي بدأ حياته في درب الحياة المظلم , وحلكة الليل البهيم , وفتنة القلب العاشق المحبّ المتيم الولهان , وفجأة إذ بنور الهدي والإيمان ينير قلب روحه , وفكر لسانه , وشذا مداد قلمه, لينبثق منه ينبوعا متدفقا من عذب نفحات الشعر الثائرة على جولة الظلم والبغي والطغيان , فيروي بها جوانحه الظمأى بهدي الإيمان , ونور الدعوة إلى الإسلام ..
إنه الشاعر المسلم الملتزم
محمد منلا غزيل
ولد هذا الشاعر عام ألف وتسعمئة وستة وثلاثون في منبج , بلدة الشاعر عمر أبو ريشة , والبحتري ...
في هذه البلدة الجميلة , وطبيعتها الخلابة , وظلالها الوارفة ,وجمالها المتألق نشأ شاعرنا الملهم , حيث درس في الكتّاب على يد الشيخ – عبد الرحمن الداغستاني – وحفظ القرآن على يديه, وعدداً من قصائد الشعر , وما زال يذكر شيخه الذي حفّظه قصيدة حسان بن ثابت رضي الله عنه وقد كان مطلعها :
أصون عرضي بمالي لا أدنسه ******* لا بارك الله بعد العرض بمال
وفي الصف الخامس الابتدائي كانت له أول تجربة شعرية , وهو يتغنى بمنبج بلدته الحبيبة :
سلام جلّق مدفن آبائي ****** ومنبع نهر البطولة والإباء
سلام من محبّ متيّم في ****** هوى ذات الهمة القعساء
هو بعيد الديار عنك ولكن ****** مشوق كشوق قيس لليلاء
أنهى المرحلة الابتدائية في منبج بلدته بدرجة امتياز , مما أهلّه للذهاب إلى حلب الشهباء في ثانوية المأمون , طالباً داخلياً مجاناً...............
بعض الصورللشاعر والاديب الغزيل